سورة الأنعام - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


قوله: {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} قدرت الشيء وقدّرته: عرفت مقداره، وأصله: الستر، ثم استعمل في معرفة الشيء، أي لم يعرفوه حق معرفته، حيث أنكروا إرساله للرسل، وإنزاله للكتب. وقيل المعنى: وما قدروا نعم الله حق تقديرها. وقرأ أبو حيوة: {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} بفتح الدال: وهي لغة، ولما وقع منهم هذا الإنكار وهم من اليهود، أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يورد عليهم حجة لا يطيقون دفعها، فقال: {قُلْ مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذى جَاء بِهِ موسى} وهم يعترفون بذلك ويذعنون له، فكان في هذا من التبكيت لهم والتقريع ما لا يقادر قدره، مع إلجائهم إلى الاعتراف بما أنكروه، من وقوع إنزال الله على البشر، وهم الأنبياء عليهم السلام، فبطل جحدهم وتبين فساد إنكارهم وقيل: إن القائلين بهذه المقالة هم كفار قريش، فيكون إلزامهم بإنزال الله الكتاب على موسى من جهة أنهم يعترفون بذلك، ويعلمونه بالأخبار من اليهود، وقد كانوا يصدقونهم، و{نُوراً وَهُدًى} منتصبان على الحال، و{لِلنَّاسِ} متعلق بمحذوف هو صفة لهدى، أي كائناً للناس.
قوله: {تَجْعَلُونَهُ قراطيس} أي تجعلون الكتاب الذي جاء به موسى في قراطيس تضعونه فيها ليتمّ لكم ما تريدونه من التحريف والتبديل، وكتم صفة النبي صلى الله عليه وسلم المذكورة فيه، وهذا ذمّ لهم، والضمير في {تُبْدُونَهَا} راجع إلى القراطيس، وفي {تَجْعَلُونَهُ} راجع إلى الكتاب، وجملة {تجعلونه} في محل نصب على الحال، وجملة {تبدونها} صفة لقراطيس {وَتُخْفُونَ كَثِيراً} معطوف على {تبدونها} أي وتخفون كثيراً منها، والخطاب في {وَعُلّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ ءابَاؤُكُمْ} لليهود، أي والحال أنكم قد علمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم، ويحتمل أن تكون هذه الجملة استئنافية مقرّرة لما قبلها، والذي علموه هو الذي أخبرهم به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الأمور التي أوحى الله إليه بها، فإنها اشتملت على ما لم يعلموه من كتبهم، ولا على لسان أنبيائهم، ولا علمه آباؤهم، ويجوز أن يكون {ما} في {ما لم تعلموا} عبارة عما علموه من التوراة، فيكون ذلك على وجه المنّ عليهم بإنزال التوراة. وقيل: الخطاب للمشركين من قريش وغيرهم، فتكون {ما} عبارة عما علموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أمره الله رسوله بأن يجيب عن ذلك الإلزام الذي ألزمهم به حيث قال: {مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذى جَاء بِهِ موسى} فقال: {قُلِ الله} أي: أنزله الله {ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} أي ذرهم في باطلهم حال كونهم يلعبون، أي يصنعون صنع الصبيان الذين يلعبون.
قوله: {وهذا كتاب أنزلناه مُبَارَكٌ} هذا من جملة الرد عليهم في قولهم: {مَا أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مّن شَئ} أخبرهم بأن الله أنزل التوراة على موسى، وعقبه بقوله: {وهذا كتاب أنزلناه} يعني على محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف تقولون: {مَا أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مّن شَئ}؟ ومبارك ومصدق صفتان لكتاب، والمبارك كثير البركة، والمصدق كثير التصديق، والذي بين يديه ما أنزل الله من الكتب على الأنبياء من قبله، كالتوراة والإنجيل، فإنه يوافقها في الدعوة إلى الله، وإلى توحيده، وإن خالفها في بعض الأحكام.
قوله: {وَلِتُنذِرَ} قيل: هو معطوف على ما دل عليه مبارك، كأنه قيل أنزلناه للبركات ولتنذر، وخص أم القرى وهي مكة، لكونها أعظم القرى شأناً، ولكونها أوّل بيت وضع للناس، ولكونها قبلة هذه الأمة ومحلّ حجهم، فالإنذار لأهلها مستتبع لإنذار سائر أهل الأرض، والمراد بمن حولها: جميع أهل الأرض، والمراد بأنذر أمّ القرى: إنذار أهلها وأهل سائر الأرض، فهو على تقدير مضاف محذوف كسؤال القرية {والذين يُؤْمِنُونَ بالآخرة} مبتدأ، و{وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} خبره، والمعنى: أن من حق من صدق بالدار الآخرة أن يؤمن بهذا الكتاب، ويصدق، ويعمل بما فيه، لأن التصديق بالآخرة يوجب قبول من دعا الناس إلى ما ينال به خيرها، ويندفع به ضرّها. وجملة: {وَهُمْ على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} في محل نصب على الحال، وخص المحافظة على الصلاة من بين سائر الواجبات لكونها عمادها وبمنزلة الرأس لها.
قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً} هذه الجملة مقررة لمضمون ما تقدّم من الاحتجاج عليهم بأن الله أنزل الكتب على رسله، أي كيف تقولون ما أنزل الله على بشر من شيء، وذلك يستلزم تكذيب الأنبياء عليهم السلام، ولا أحد أظلم ممن افترى على الله كذباً فزعم أنه نبيّ وليس بنبيّ، أو كذب على الله في شيء من الأشياء {أَوْ قَالَ أُوْحِى إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَئ} أي والحال أنه لم يوح إليه شيء، وقد صان الله أنبياءه عما تزعمون عليهم، وإنما هذا شأن الكذابين رؤوس الإضلال، كمسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، وسجاح.
قوله: {وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ الله} معطوف على {من افترى} أي ومن أظلم ممن افترى أو ممن قال أوحى إليّ ولم يوح إليه شيء، أو ممن قال سأنزل مثل ما أنزل الله، وهم القائلون: {لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هذا} [الأنفال: 31] وقيل: هو عبد الله بن أبي سرح، فإنه كان يكتب الوحي لرسول صلى الله عليه وسلم، فأملى عليه رسول صلى الله عليه وسلم: {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَر} [المؤمنون: 14] فقال عبد الله: {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين} [المؤمنون: 14] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هكذا أنزلت» فشكّ عبد الله حينئذ وقال: لئن كان محمد صادقاً لقد أوحى إليّ كما أوحى إليه، ولئن كان كاذباً لقد قلت كما قال، ثم ارتدّ عن الإسلام، ولحق بالمشركين، ثم أسلم يوم الفتح كما هو معروف، قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظالمون فِى غَمَرَاتِ الموت} الخطاب لرسول الله صلى الله عيله وسلم أو لكل من يصلح له، والمراد كل ظالم، ويدخل فيه الجاحدون لما أنزل الله، والمدّعون للنبوات افتراء على الله دخولاً أوّلياً، وجواب {لو} محذوف، أي لرأيت أمراً عظيماً. والغمرات جمع غمرة: وهي الشدّة، وأصلها الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها، ومنه غمرة الماء، ثم استعملت في الشدائد، ومنه غمرة الحرب. قال الجوهري: والغمرة الشدّة والجمع غمر: مثل نوبة ونوب، وجملة: {والملئكة بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ} في محل نصب، أي والحال أن الملائكة باسطو أيديهم لقبض أرواح الكفار. وقيل للعذاب وفي أيديهم مطارق الحديد، ومثله قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ الملئكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدبارهم} [الأنفال: 50].
قوله: {أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ} أي قائلين لهم أخرجوا أنفسكم من هذه الغمرات التي وقعتم فيها، أو أخرجوا أنفسكم من أيدينا وخلصوها من العذاب، أو أخرجوا أنفسكم من أجسادكم، وسلموها إلينا لنقبضها {اليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهون} أي اليوم الذي تقبض فيه أرواحكم، أو أرادوا باليوم الوقت الذي يعذبون فيه الذي مبدؤه عذاب القبر، والهون والهوان بمعنى أي اليوم تجزون عذاب الهوان الذي تصيرون به في إهانة ومذلة، بعدما كنتم فيه من الكبر والتعاظم، والباء في {بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى الله غَيْرَ الحق} للسببية، أي بسبب قولكم هذا من إنكار إنزال الله كتبه على رسله والإشراك به {وَكُنتُمْ عَنْ ءاياته تَسْتَكْبِرُونَ} عن التصديق لها والعمل بها، فكان ما جوزيتم به من عذاب الهون: {جَزَاء وفاقا} [النبأ: 26].
قوله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى} قرأ أبو حيوة {فرادى} بالتنوين، وهي لغة تميم، وقرأ الباقون بألف التأنيث للجمع فلم ينصرف.
وحكى ثعلب {فراد} بلا تنوين مثل: ثلاث ورباع، وفرادى جمع فرد كسكارى جمع سكران، وكسالى جمع كسلان، والمعنى: جئتمونا منفردين واحداً واحداً كل واحد منفرد عن أهله وماله، وما كان يعبده من دون الله، فلم ينتفع بشيء من ذلك {كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي على الصفة التي كنتم عليها عند خروجكم من بطون أمهاتكم، والكاف نعت مصدر محذوف، أي جئتمونا مجيئاً مثل مجيئكم عند خلقنا لكم، أو حال من ضمير {فرادى} أي متشابهين ابتداء خلقنا لكم {وَتَرَكْتُمْ مَّا خولناكم وَرَاء ظُهُورِكُمْ} أي أعطيناكم، والخول ما أعطاه الله للإنسان من متاع الدنيا، أي تركتم ذلك خلفكم لم تأتونا بشيء منه، ولا انتفعتم به بوجه من الوجوه {وَمَا نرى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الذين} عبدتموهم وقلتم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى} [الزمر: 3] و{زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء} لله يستحقون منكم العبادة كما يستحقها.
قوله: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} قرأ نافع والكسائي وحفص بنصب {بينكم} على الظرفية، وفاعل {تقطع} محذوف، أي تقطع الوصل بينكم أنتم وشركاؤكم، كما يدل عليه: {وَمَا نرى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ}. وقرأ الباقون بالرفع على إسناد التقطع إلى البين، أي وقع التقطع بينكم، ويجوز أن يكون معنى قراءة النصب معنى قراءة الرفع في إسناد الفعل إلى الظرف، وإنما نصب لكثرة استعماله ظرفاً. وقرأ ابن مسعود: {لقد تقطع ما بينكم} على إسناد الفعل إلى {ما}: أي الذي بينكم {وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} من الشركاء والشرك، وحيل بينكم وبينهم.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن ابن عباس في قوله: {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} قال: هم الكفار لم يؤمنوا بقدرة الله، فمن آمن أن الله على كل شيء قدير، قد قدر الله حق قدره، ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر الله حق قدره، إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء. قالت اليهود: يا محمد أنزل الله عليك كتاباً؟ قال: نعم، قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتاباً، فأنزل الله: {قُلْ} يا محمد {مَنْ أَنزَلَ الكتاب الذى جَاء بِهِ موسى} إلى آخر الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد {وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ الله على بَشَرٍ مّن شَئ} قالها مشركو قريش.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ قال: قال فنحاص اليهودي ما أنزل الله على محمد من شيء، فنزلت.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن عكرمة قال: نزلت في مالك بن الصيف.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير، قال: جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف، فخاصم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى هل تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟» وكان حبراً سميناً، فغضب وقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء، فقال له أصحابه: ويحك ولا على موسى؟ قال: ما أنزل الله على بشر من شيء، فنزلت.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {تَجْعَلُونَهُ قراطيس} قال: اليهود، وقوله: {وَعُلّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ ءابَاؤُكُمْ} قال: هذه للمسلمين.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {وَعُلّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ} قال: هم اليهود آتاهم الله علماً فلم يقتدوا به، ولم يأخذوا به ولم يعملوا به، فذمهم الله في علمهم ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {وهذا كتاب أنزلناه مُبَارَكٌ} قال: هو القرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج عبد بن حميد، عنه قال: {مُّصَدّقُ الذى بَيْنَ يَدَيْهِ} أي من الكتب التي قد خلت قبله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات، عن ابن عباس في قوله: {وَلِتُنذِرَ أُمَّ القرى} قال: مكة ومن حولها. قال: يعني ما حولها من القرى، إلى المشرق والمغرب.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السديّ قال: إنما سميت أمّ القرى لأن أوّل بيت وضعت بها.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، عن قتادة في قوله: {وَلِتُنذِرَ أُمَّ القرى} قال: هي مكة، قال: وبلغني أن الأرض دحيت من مكة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن عطاء بن دينار نحوه.
وأخرج الحاكم في المستدرك، عن شرحبيل بن سعد قال: نزلت في عبد الله بن أبي سرح {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِى إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَئ} الآية. فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فرّ إلى عثمان أخيه من الرضاعة، فغيبه عنده حتى اطمأنّ أهل مكة، ثم استأمن له.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي خلف الأَعمى: أنها نزلت في عبد الله بن أبي سرح. وكذلك روى ابن أبي حاتم عن السديّ.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، عن ابن جريج، في قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِى إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَئ} قال: نزلت في مسيلمة الكذاب ونحوه ممن دعا إلى مثل ما دعا إليه {وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ الله} قال: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن عكرمة نحوه.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة لما نزلت: {والمرسلات عُرْفاً فالعاصفات عَصْفاً} [المرسلات: 1، 2] قال: النضر وهو من بني عبد الدار: والطاحنات طحناً والعاجنات عجناً قولاً كثيراً، فأنزل الله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس في قوله: {غَمَرَاتِ الموت} قال: سكرات الموت.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عنه قال في قوله: {والملئكة بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ} هذا عند الموت، والبسط: الضرب {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدبارهم} [الأنفال: 50، محمد: 27].
وأخرج أبو الشيخ عنه قال في الآية هذا ملك الموت عليه السلام.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن الضحاك في قوله: {والملئكة بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ} قال: بالعذاب.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، عن مجاهد في قوله: {عَذَابَ الهون} قال: الهوان.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن عكرمة قال: قال النضر بن الحارث: سوف تشفع لي اللات والعزّى، فنزلت: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن سعيد بن جبير، في قوله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى} الآية، قال: كيوم ولد يردّ عليه كل شيء نقص منه يوم ولد.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ في قوله: {وَتَرَكْتُمْ مَّا خولناكم} قال: من المال والخدم {وَرَاء ظُهُورِكُمْ} قال: في الدنيا.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد وأبو الشيخ، عن قتادة في قوله: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} قال: ما كان بينهم من الوصل.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد في قوله: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} قال: تواصلكم في الدنيا.


قوله: {إِنَّ الله فَالِقُ الحب والنوى} هذا شروع في تعداد عجائب صنعه تعالى، وذكر ما يعجز آلهتهم عن أدنى شيء منه، والفلق الشق: أي هو سبحانه فالق الحبّ فيخرج منه النبات، وفالق النوى فيخرج منه النوى فيخرج منه الشجر. وقيل: معنى: {فَالِقُ الحب والنوى} الشق الذي فيهما من أصل الخلقة. وقيل معنى {فَالِقُ} خالق، والنوى: جمع نواة يطلق على كل ما فيه عجم كالتمر والمشمش والخوخ.
قوله: {يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت} هذه الجملة خبر بعد خبر، فهي في محل رفع. وقيل: هي جملة مفسرة لما قبلها، لأن معناها معناه، والأول: أولى، فإن معنى {يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت} يخرج الحيوان من مثل النطفة والبيضة وهي ميتة. ومعنى: {وَمُخْرِجُ الميت مِنَ الحى} مخرج النطفة والبيضة وهي ميتة من الحيّ، وجملة: {وَمُخْرِجُ الميت مِنَ الحى} معطوفة على {يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت} عطف جملة اسمية على جملة فعلية، ولا ضير في ذلك. وقيل: معطوفة على {فالق} على تقدير أن جملة {يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت} مفسرة لما قبلها، والأوّل أولى، والإشارة ب {ذلكم} إلى صانع ذلك الصنع العجيب المذكور سابقاً و{الله} خبره. والمعنى: أن صانع هذا الصنع العجيب هو المستجمع لكل كمال، والمفضل بكل إفضال، والمستحق لكل حمد وإجلال {فأنى تُؤْفَكُونَ} فكيف تصرفون عن الحق مع ما ترون من بديع صنعه وكمال قدرته؟ قوله: {فَالِقُ الإصباح} مرتفع على أنه من جملة أخبار (أن) في {إِنَّ الله فَالِقُ الحب والنوى}. وقيل: هو نعت للاسم الشريف في {ذَلِكُمُ الله} وقرأ الحسن، وعيسى بن عمر {فَالِقُ الأصباح} بفتح الهمزة، وقرأ الجمهور بكسرها، وهو على قراءة الفتح جمع صبح، وعلى قراءة الكسر مصدر أصبح. والصبح والصباح: أوّل النهار، وكذا الإصباح، وقرأ النخعي {فَالِقُ الإصباح} بفعل وهمزة مكسورة. والمعنى في {فَالِقُ الإصباح} أنه شاق الضياء عن الظلام وكاشفه، أو يكون المعنى على حذف مضاف، أي فالق ظلمة الإصباح، وهي الغبش، أو فالق عمود الفجر عن بياض النهار، لأنه يبدو مختلطاً بالظلمة ثم يصير أبيض خالصاً. وقرأ الحسن وعيسى بن عمر، وعاصم وحمزة، والكسائي {وَجَعَلَ اليل سَكَناً} حملاً على معنى {فَالِقُ} عند حمزة والكسائي، وأما عند الحسن وعيسى فعطفاً على {فلق}. وقرأ الجمهور، {وجاعل} عطفاً على {فالق}. وقرئ: {فالق وجاعل} بنصبهما على المدح. وقرأ يعقوب {وجاعل الليل ساكناً}. والسكن: محل السكون، من سكن إليه: إذ اطمأنّ إليه، لأنه يسكن فيه الناس عن الحركة في معاشهم، ويستريحون من التعب والنصب.
قوله: {والشمس والقمر حُسْبَاناً} بالنصب على إضمار فعل، أي وجعل الشمس والقمر، وبالرفع على الابتداء، والخبر محذوف تقديره والشمس والقمر مجعولان حسباناً، وبالجرّ عطفاً على الليل على قراءة من قرأ: {وجاعل الليل} قال الأخفش: والحسبان جمع حساب مثل شهبان وشهاب.
وقال يعقوب: حسبان مصدر حسبت الشيء أحسبه حساباً وحسباناً. والحساب: الاسم. وقيل الحسبان بالضم مصدر حسب بالفتح، والحسبان بالكسر مصدر حسب. والمعنى: جعلهما محل حساب تتعلق به مصالح العباد وسيرهما على تقدير لا يزيد ولا ينقص ليدلّ عباده بذلك على عظيم قدرته وبديع صنعه. وقيل الحسبان: الضياء، وفي لغة أن الحسبان: النار، ومنه قوله تعالى: {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السماء} [الكهف: 40] والإشارة ب {ذلك تَقْدِيرُ العزيز العليم} إلى الجعل المدلول عليه بجاعل، أو يجعل على القراءتين. والعزيز: القاهر الغالب. والعليم: كثير العلم، ومن جملة معلوماته تسييرهما على هذا التدبير المحكم.
قوله: {وَهُوَ الذى جَعَلَ لَكُمُ النجوم لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ البر والبحر} أي: خلقها للاهتداء بها {فِى ظلمات} الليل عند المسير في {البر والبحر} وإضافة الظلمات إلى البرّ، لكونها ملابسة لهما، أو المراد بالظلمات: اشتباه طرقهما التي لا يهتدى فيها إلا بالنجوم، وهذه إحدى منافع النجوم التي خلقها الله لها، ومنها ما ذكره الله في قوله: {وَحِفْظاً مّن كُلّ شيطان مَّارِدٍ} [الصافات: 7]. {وجعلناها رُجُوماً للشياطين} [الملك: 5]، ومنها جعلها زينة للسماء، ومن زعم غير هذه الفوائد فقد أعظم على الله الفرية {قَدْ فَصَّلْنَا الآيات} التي بيناها بياناً مفصلاً لتكون أبلغ في الاعتبار {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} بما في هذه الآيات من الدلالة على قدرة الله وعظمته وبديع حكمته.
قوله: {وَهُوَ الذى أَنشَأَكُم مّن نَّفْسٍ واحدة} أي آدم عليه السلام كما تقدّم. وهذا نوع آخر من بديع خلقه الدال على كمال قدرته {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} قرأ ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وأبو عمرو وعيسى والأعرج والنخعي بكسر القاف، والباقون بفتحها، وهما مرفوعان على أنهما مبتدآن وخبرهما محذوف، والتقدير: فمنكم مستقرّ أو فلكم مستقرّ، التقدير الأوّل على القراءة الأولى، والثاني على الثانية، أي فمنكم مستقرّ على ظهر الأرض، أو فلكم مستقرّ على ظهرها، ومنكم مستودع في الرحم، أو في باطن الأرض، أو في الصلب. وقيل المستقرّ في الرحم، والمستودع في الأرض. وقيل المستقرّ في القبر. قال القرطبي: وأكثر أهل التفسير يقولون المستقرّ ما كان في الرحم، والمستودع ما كان في الصلب. وقيل المستقرّ من خلق، والمستودع من لم يخلق. وقيل الاستيداع إشارة إلى كونهم في القبور إلى المبعث.
ومما يدل على تفسير المستقرّ بالكون على الأرض قول الله تعالى: {وَلَكُمْ فِى الأرض مُسْتَقَرٌّ ومتاع إلى حِينٍ} [البقرة: 36]، وذكر سبحانه هاهنا {يَفْقَهُونَ} وفيما قبله {يَعْلَمُونَ} لأن في إنشاء الأنفس من نفس واحدة وجعل بعضها مستقرّاً وبعضها مستودعاً من الغموض والدقة ما ليس في خلق النجوم للاهتداء، فناسبه ذكر الفقه لإشعاره بمزيد تدقيق وإمعان فكر.
قوله: {وَهُوَ الذى أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء} هذا نوع آخر من عجائب مخلوقاته. والماء هو ماء المطر، وفي {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} التفات من الغيبة إلى التكلم، إظهاراً للعناية بشأن هذا المخلوق وما ترتب عليه، والضمير في {بِهِ} عائد إلى الماء، و{نَبَاتَ كُلّ شَئ} يعني كل صنف من أصناف النبات المختلفة. وقيل: المعنى رزق كل شيء، والتفسير الأوّل أولى. ثم فصل هذا الإجمال فقال: {فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً} قال الأخفش: أي أخضر. والخضر: رطب البقول، وهو ما يتشعب من الأغصان الخارجة من الحبة. وقيل: يريد القمح والشعير والذرة والأرز وسائر الحبوب {نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً} هذه الجملة صفة ل {خضر} أي نخرج من الأغصان الخضر حباً متراكباً أي مركباً بعضه على بعضه كما في السنابل {وَمِنَ النخل} خبر مقدّم، و{مِن طَلْعِهَا} بدل منه، وعلى قراءة من قرأ: {يخرج منه حب} يكون ارتفاع {قنوان} على أنه معطوف على حب، وأجاز الفراء في غير القرآن {قنواناً} عطفاً على {حباً} وتميم يقولون قنيان. وقرئ بضم القاف وفتحها باعتبار اختلاف اللغتين لغة قيس ولغة أهل الحجاز. والطلع: الكفري قبل أن ينشق عن الإغريض، والإغريض يسمى طلعاً أيضاً. والقنوان: جمع قنو، والفرق بين جمعه وتثنيته أن المثنى مكسورة النون، والجمع على ما يقتضيه الاعراب، ومثله صنوان. والقنو: العذق. والمعنى: أن القنوان أصله من الطلع. والعذق: هو عنقود النخل، وقيل القنوان: الجمار. والدانية: القريبة التي ينالها القائم والقاعد. قال الزجاج: المعنى منها دانية ومنها بعيدة فحذف، ومثله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر} [النحل: 81] وخصّ الدانية بالذكر، لأن الغرض من الآية بيان القدر والامتنان، وذلك فيما يقرب تناوله أكثر.
قوله: {وجنات مّنْ أعناب} قرأ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، والأعمش، وعاصم في قراءته الصحيحة عنه برفع {جنات} وقرأ الباقون بالنصب. وأنكر القراءة الأولى أبو عبيدة، وأبو حاتم، حتى قال أبو حاتم هي محال، لأن الجنات لا تكون من النخل. قال النحاس: ليس تأويل الرفع على هذا، ولكنه رفع بالابتداء، والخبر محذوف، أي ولهم جنات كما قرأ جماعة من القراء {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة: 22] وقد أجاز مثل هذا سيبويه والكسائي والفراء، وأما على النصب فقيل: هو معطوف على {نَبَاتَ كُلّ شَئ} أي وأخرجنا به جنات كائنة من أعناب، أو النصب بفعل يقدّر متأخراً أي وجنات من أعناب أخرجناها، وهكذا القول في انتصاب الزيتون والرمان. وقيل: هما منصوبان على الاختصاص لكونهما عزيزين، و{مُشْتَبِهاً} منتصب على الحال، أي كل واحد منهما يشبه بعضه بعضاً في بعض أوصافه، ولا يشبه بعضه بعضاً في البعض الآخر، وقيل: إن أحدهما يشبه الآخر في الورق باعتبار اشتماله على جميع الغصن وباعتبار حجمه، ولا يشبه أحدهما الآخر في الطعم، وقيل خصّ الزيتون والرمان لقرب منابتهما من العرب كما في قول الله سبحانه: {أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: 17]، ثم أمرهم سبحانه بأن ينظروا نظر اعتبار إلى ثمره إذا أثمر، وإلى ينعه إذا أينع. والثمر في اللغة: جنى الشجر. واليانع: الناضج الذي قد أدرك وحان قطافه. قال ابن الأنباري: الينع جمع يانع، كركب وراكب.
وقال الفراء: أينع احمرّ. قرأ حمزة والكسائي {ثمره} بضم الثاء والميم، وقرأ الباقون بفتحها، إلا الأعمش فإنه قرأ: {ثمره} بضم الثاء، وسكون الميم تخفيفاً. وقرأ محمد بن السميفع، وابن محيصن، وابن أبي إسحاق {وينعه} بضم الياء التحتية. قال الفراء: هي لغة بعض أهل نجد. وقرأ الباقون بفتحها، والإشارة بقوله: {إِنَّ فِى ذلكم} إلى ما تقدّم ذكره مجملاً ومفصلاً {لآيات لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} بالله استدلالاً بما يشاهدونه من عجائب مخلوقاته التي قصها عليهم.
وقد أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله تعالى: {إِنَّ الله فَالِقُ الحب والنوى} يقول: خلق الحب والنوى.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة قال: يفلق الحبّ والنوى عن النبات.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد قال: الشقان اللذان فيهما.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، عن أبي مالك نحوه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عنه في قوله: {يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت} قال: النخلة من النواة والسنبلة من الحبة {وَمُخْرِجُ الميت مِنَ الحى} قال: النواة من النخلة والحبة من السنبلة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد {يُخْرِجُ الحى مِنَ الميت وَمُخْرِجُ الميت مِنَ الحى} قال: الناس الأحياء من النطف، والنطفة ميتة تخرج من الناس الأحياء، ومن الأنعام والنبات كذلك أيضاً.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: {فأنى تُؤْفَكُونَ} أي فكيف تكذبون.
وأخرج أيضاً عن الحسن قال أنى تصرفون.
وأخرج أيضاً عن ابن عباس في {فَالِقُ الإصباح} قال: خلق الليل والنهار.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عنه قال: يعني بالإصباح ضوء الشمس بالنهار، وضوء القمر بالليل.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد في {فَالِقُ الإصباح} قال: إضاءة الفجر.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، عن قتادة في قوله: {فَالِقُ الإصباح} قال: فالق الصبح.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {وَجَاعِلُ الليل سَكَنا} قال: سكن فيه كل طير ودابة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {والشمس والقمر حُسْبَاناً} يعني عدد الأيام والشهور والسنين.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {وَهُوَ الذى جَعَلَ لَكُمُ النجوم لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِى ظلمات البر والبحر} قال: يضلّ الرجل، وهو في الظلمة والجور عن الطريق.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، والخطيب في كتاب النجوم، عن عمر بن الخطاب قال: تعلموا من النجوم ما تهتدون به في برّكم وبحركم، ثم أمسكوا، فإنها والله ما خلقت إلا زينة للسماء ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة نحوه.
وأخرج ابن مردويه، والخطيب، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البرّ والبحر ثم انتهوا» وقد ورد في استحباب مراعاة الشمس والقمر لذكر الله سبحانه لا لغير ذلك أحاديث، منها عند الحاكم وصححه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحبّ عباد الله إلى الله الذين يراعون الشمس والقمر لذكر الله».
وأخرج ابن شاهين والطبراني، والحاكم، والخطيب، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله، فذكر نحوه.
وأخرج أحمد في الزهد، والخطيب، عن أبي الدرداء نحوه.
وأخرج الخطيب في كتاب النجوم، عن أبي هريرة نحو حديثه الأوّل مرفوعاً.
وأخرج الحاكم في تاريخه، والديلمي بسند ضعيف، عن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة يظلهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلا ظله: التاجر الأمين، والإمام المقتصد، وراعي الشمس بالنهار».
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن سلمان الفارسي قال: «سبعة في ظلّ الله يوم لا ظلّ إلا ظله، فذكر منهم الرجل الذي يراعي الشمس لمواقيت الصلاة». فهذه الأحاديث مقيدة بكون المراعاة لذكر الله، والصلاة، لا لغير ذلك.
وقد جعل الله انقضاء وقت صلاة الفجر طلوع الشمس، وأوّل صلاة الظهر زوالها، ووقت العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية، ووقت المغرب غروب الشمس، وورد في صلاة العشاء: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها لوقت مغيب القمر ليلة ثالث الشهر، وبها يعرف أوائل الشهور وأوساطها وأواخرها. فمن راعى الشمس والقمر بهذه الأمور فهو الذي أراده، ومن راعاها لغير ذلك فهو غير مراد بما ورد.
وهكذا النجوم، وورد النهي عن النظر فيها كما أخرجه ابن مردويه، والخطيب، عن عليّ قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النظر في النجوم.
وأخرج ابن مردويه، والمرهبي، والخطيب، عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النظر في النجوم.
وأخرج الخطيب، عن عائشة مرفوعاً مثله.
وأخرج الطبراني، وأبو نعيم في الحلية، والخطيب، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا».
وأخرج ابن أبي شيبة، وأبو داود، وابن مردويه، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد» فهذه الأحاديث محمولة على النظر فيها لما عدا الاهتداء والتفكر والاعتبار. وما ورد في جواز النظر في النجوم فهو مقيد بالاهتداء والتفكر والاعتبار كما يدلّ عليه حديث ابن عمر السابق، وعليه يحمل ما روي عن عكرمة فيما أخرجه الخطيب عنه: أنه سأل رجلاً عن حساب النجوم، فجعل الرجل يتحرّج أن يخبره، فقال عكرمة: سمعت ابن عباس يقول: علم عجز الناس عنه ووددت أني علمته.
وقد أخرج أبو داود، والخطيب، عن سمرة بن جندب، أنه خطب فذكر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أما بعد، فإن ناساً يزعمون أن كسوف هذه الشمس وكسوف هذا القمر وزوال هذه النجوم عن مواضعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض، وإنهم قد كذبوا، ولكنها آيات من آيات الله يعتبر بها عباده لينظر ما يحدث لهم من توبة» وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما في كسوف الشمس والقمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوّف الله بهما عباده».
وأخرج ابن مردويه، عن أبي أمامة مرفوعاً: «إن الله نصب آدم بين يديه، ثم ضرب كتفه اليسرى فخرجت ذريته من صلبه حتى ملئوا الأرض» فهذا الحديث هو معنى ما في الآية، {وَهُوَ الذى أَنشَأَكُم مّن نَّفْسٍ واحدة}.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله: {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} قال: المستقر ما كان في الرحم، والمستودع ما استودع في أصلاب الرجال والدواب. وفي لفظ: المستقر ما في الرحم، وعلى ظهر الأرض وبطنها مما هو حيّ ومما قد مات. وفي لفظ المستقرّ ما كان في الأرض، والمستودع ما كان في الصلب.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن مسعود في الآية: قال مستقرّها في الدنيا ومستودعها في الآخرة.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ، عن ابن مسعود قال: المستقرّ الرحم، والمستودع المكان الذي يموت فيه.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن وقتادة في الآية قالا: مستقرّ في القبر، ومستودع في الدنيا، أوشك أن يلحق بصاحبه.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ في قوله: {نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً} قال: هذا السنبل.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن البراء بن عازب {قنوان دَانِيَةٌ} قال قريبة: وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس {قنوان دَانِيَةٌ} قال: قصار النخل اللاصقة عذوقها بالأرض.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عنه قنوان الكبائس، والدانية المنصوبة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عنه أيضاً في {قنوان دَانِيَةٌ} قال: تهدل العذوق من الطلع.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن قتادة، في قوله: {مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ متشابه} قال: متشابهاً ورقه مختلفاً ثمره.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب القرظي، في قوله: {انظروا إلى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} قال: رطبه وعنبه.
وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن البراء {وَيَنْعِهِ} قال نضجه.


هذا الكلام يتضمن ذكر نوع آخر من جهالاتهم وضلالاتهم. قال النحاس: {الجنّ} المفعول الأوّل، و{شركاء} المفعول الثاني كقوله تعالى: {وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً} [المائدة: 20] {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً} [المدثر: 12] وأجاز الفراء: أن يكون الجنّ بدلاً من شركاء ومفسراً له. وأجاز الكسائي رفع الجنّ بمعنى هم الجنّ، كأنه قيل: من هم؟ فقيل الجنّ، وبالرفع قرأ يزيد بن أبي قطيب، وأبو حيان، وقرئ بالجر على إضافة شركاء إلى الجنّ للبيان. والمعنى: أنهم جعلوا شركاء لله فعبدوهم كما عبدوه، وعظموهم كما عظموه. وقيل المراد بالجنّ هاهنا الملائكة لاجتنانهم، أي استتارهم، وهم الذين قالوا: الملائكة بنات الله. وقيل: نزلت في الزنادقة الذين قالوا: إن الله تعالى وإبليس أخوان، فالله خالق الناس والدوابّ، وإبليس خالق الحيات والسباع والعقارب.
وروي ذلك عن الكلبي، ويقرب من هذا قول المجوس، فإنهم قالوا: للعالم صانعان هما الربّ سبحانه والشيطان. وهكذا القائلون: كل خير من النور، وكل شرّ من الظلمة، وهم المانوية.
قوله: {وَخَلَقَهُمْ} جملة حالية بتقدير قد، أي وقد علموا أن الله خلقهم، أو خلق ما جعلوه شريكاً لله. قوله: {وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ} قرأ نافع بالتشديد على التكثير، لأن المشركين ادّعوا أن الملائكة بنات الله، والنصارى ادّعوا أن المسيح ابن الله، واليهود ادّعوا أن عزيراً ابن الله، فكثر ذلك من كفرهم فشدّد الفعل لمطابقة المعنى. وقرأ الباقون بالتخفيف. وقرئ: {حرفوا} من التحريف أي زوّروا. قال أهل اللغة: معنى {خرقوا} اختلقوا وافتعلوا وكذبوا، يقال اختلق الإفك، واخترقه وخرقه، أو أصله من خرق الثوب: إذا شقه، أي اشتقوا له بنين وبنات. قوله: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} متعلق بمحذوف هو حال، أي كائنين بغير علم، بل قالوا ذلك عن جهل خالص، ثم بعد حكاية هذا الضلال البين، والبهت الفظيع من جعل الجنّ شركاء لله، وإثبات بنين وبنات له، نزه الله نفسه، فقال: {سبحانه وتعالى عَمَّا يَصِفُونَ} وقد تقدّم الكلام في معنى {سبحانه}. ومعنى {تعالى} تباعد وارتفع عن قولهم الباطل الذي وصفوه به.
قوله: {بَدِيعُ السموات والأرض} أي مبدعهما، فكيف يجوز أن {يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} وقد جاء البديع بمعنى المبدع، كالسميع بمعنى المسمع كثيراً، ومنه قول عمرو بن معدي كرب:
أمن ريحانة الدَّاعى السَّميع *** يؤرقني وأصحابي هجوع
أي المسمع. وقيل: هو من إضافة الصفة المشبهة إلى الفاعل، والأصل: بديع سمواته وأرضه. وأجاز الكسائي خفضه على النعت لله. والظاهر أن رفعه على تقدير مبتدأ محذوف، أو على أنه مبتدأ وخبره {أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ}. وقيل: هو مرفوع على أنه فاعل {تعالى} وقرئ بالنصب على المدح، والاستفهام في {أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} للإنكار والاستبعاد، أي من كان هذا وصفه، وهو أنه خالق السموات والأرض وما فيهما، كيف يكون له ولد؟ وهو من جملة مخلوقاته، وكيف يتخذ ما يخلقه ولداً، ثم بالغ في نفي الولد، فقال: {وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صاحبة} أي كيف يكون له ولد والحال أنه لم تكن له صاحبة؟ والصاحبة إذا لم توجد استحال وجود الولد، وجملة: {وَخَلَقَ كُلَّ شَئ} لتقرير ما قبلها، لأن من كان خالقاً لكل شيء استحال منه أن يتخذ بعض مخلوقاته ولداً {وَهُوَ بِكُلّ شَئ عَلِيمٌ} لا تخفى عليه من مخلوقاته خافية، والإشارة بقوله: {ذلكم} إلى الأوصاف السابقة، وهو في موضع رفع على الابتداء وما بعده خبره، وهو الاسم الشريف، و{رَبُّكُمْ} خبر ثان، و{لاَ إله إِلاَّ هُوَ} خبر ثالث، و{خالق كُلّ شَئ} خبر رابع، ويجوز أن يكون {الله رَبُّكُمُ} بدلاً من اسم الإشارة، وكذلك {لا إله إِلاَّ هُوَ خالق كُلّ شَئ} خبر المبتدأ، ويجوز ارتفاع خالق على إضمار مبتدأ، وأجاز الكسائي والفراء النصب فيه.
{فاعبدوه} أي من كانت هذه صفاته، فهو الحقيق بالعبادة فاعبدوه ولا تعبدوا غيره ممن ليس له من هذه الصفات العظيمة شيء.
قوله: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار} الأبصار: جمع بصر، وهو الحاسة، وإدراك الشيء عبارة عن الإحاطة به. قال الزجاج أي لا تبلغ كنه حقيقته، فالمنفيّ هو هذا الإدراك لا مجرّد الرؤية. فقد ثبتت بالأحاديث المتواترة تواتراً لا شك فيه ولا شبهة، ولا يجهله إلا من يجهل السنة المطهرة جهلاً عظيماً، وأيضاً قد تقرّر في علم البيان، والميزان أن رفع الإيجاب الكلي سلب جزئي، فالمعنى لا تدركه بعض الأبصار وهي أبصار الكفار، هذا على تسليم أن نفي الإدراك يستلزم نفي الرؤية، فالمراد به هذه الرؤية الخاصة، والآية من سلب العموم لا من عموم السلب، والأوّل تخلفه الجزئية، والتقدير: لا تدركه كل الأبصار بل بعضها، وهي أبصار المؤمنين. والمصير إلى أحد الوجهين متعين لما عرّفناك من تواتر الرؤية في الآخرة، واعتضادها بقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} الآية [القيامة: 22].
قوله: {وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار} أي يحيط بها ويبلغ كنهها لا تخفى عليه منها خافية، وخصّ الأبصار ليجانس ما قبله.
وقال الزجاج: في هذا دليل على أن الخلق لا يدركون الأبصار، أي لا يعرفون كيفية حقيقة البصر، وما الشيء الذي صار به الإنسان يبصر من عينيه دون أن يبصر من غيرهما من سائر أعضائه انتهى. {وَهُوَ اللطيف} أي الرفيق بعباده، يقال لطف فلان بفلان: أي رفق به، واللطف في العمل الرفق به. واللطف من الله التوفيق والعصمة، وألطفه بكذا: إذا أبرّه. والملاطفة: المبارّة. هكذا قال الجوهري وابن فارس، و{الخبير} المختبر بكل شيء بحيث لا يخفى عليه شيء.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس، في قوله: {وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء الجن وَخَلَقَهُمْ} قال: والله خلقهم {وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} قال: تخرّصوا.
وأخرج ابن أبي حاتم، عنه في قوله: {وَخَرَقُواْ} قال: جعلوا: وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد قال كذبوا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، عن قتادة نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم، والعقيلي، وابن عدي وأبو الشيخ، وابن مردويه بسند ضعيف، عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار} قال: «لو أن الإنس والجنّ والملائكة والشياطين منذ خلقوا إلى أن فنوا صفوا صفاً واحداً ما أحاطوا بالله أبداً» قال الذهبي: هذا حديث منكر انتهى. وفي إسناده عطية العوفى وهو ضعيف.
وأخرج الترمذي وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه. قال عكرمة: فقلت له أليس الله يقول: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار} قال: لا أمّ لك، ذاك نوره، إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء. وفي لفظ: «إنما ذلك إذا تجلى بكيفيته لم يقم له بصر».
وأخرج ابن جرير عنه قال: لا يحيط بصر أحد بالله.
وأخرج أبو الشيخ، والبيهقي في كتاب الرؤية، عن الحسن في قوله: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار} قال: في الدنيا.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن إسماعيل بن علية مثله.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9